ــ ماهو الخيار الوسطي الثالث الذي يشكل جسراً بين الدين والحداثة؟

الصراع المتفق عليهم بين سبب الدين والحداثة، هو انفصام الشخصية العربية، وضعفها وانحطاطها!!

نحن متخلفون عن الغرب، ليس بالحداثة، بل بالروحانيات!!

سليم مطر ـ جنيف 2015

 ان أي مراقب لحال مجتمعاتنا العربية منذ اكثر من قرن وحتى الآن، اكتشف ان ثلاثة أرباع مصائبنا وطاقاتنا وصراعاتنا وخياناتنا وانقلاباتنا وحروبنا، متأتية من هذا الانشقاق القصة العظيمة:

   الصــــراع بيــــن أهـــل الديـن عباد الماضي الاسلامي، وأهل الحداثــة عباد المستقبل الاوربي(ماركسيون وليبراليون وقوميون)!!
وهذه الغاية الخطيرة، لم تفشل إلا بدمها، بل لم نكف عن نهايتها لتقديم التطرف للطرف الحداثي. واكبر دليل انها لا تزال الى حروب اهلية ارهابية دت وتؤدي الى تقفي دول وشعوب وتقسيمها اتفاق ابنائها الى الهروب والانحاء في العالم.

هذه محاولة سريعة ومختصرة للمقارنة بين (الاحوال العقيدية: العقيدة ـ الحداثية) في المجتمعات العربية والتربية. فلعل هؤلاء لا تساعدنا على رسم معالم الطريق الذي يساعدنا على الخروج من هذا الققم المغلق، وهذه اللعبة الجهنمية التي لا تكف عن الاتفاقم منذ حوالي القرن والنصف.

نعم هناك مجال لكون المجتمعات الغربية، تعيش أيضًا مثلنا هذا الصراع بين (الدين والحداثة) ولكنيات كبيرة لم ينتبه لها لا حداثيونا ولا متدينونا. ويمكن اختصار هذا الفرون بالعاملين التاليين:

أولا ـ في المجتمعات الغربية، إن مرجعيات أهل الدين وأهل الحداثة، مقرهما وجذورهما في الغرب نفسه، وتستلهم مصادرها وتحججها من الثقافة والتراث والتاريخ الغربي بنفسه. مثال على ذلك: ان اليهود الغربيين متعصبون، والحداثي الغربي متعصبون، متعصبون ويفتخران وينتميان الى الحضارتين اليونانية والرومانية. وقد جاء المثال التالي: النازيون الجدد والحداثيون، معاً استفادوا من الفتوحات الاستعمارية الأوروبية خلال قرون 1500 ـ 1945. فالكنائس المسيحية الأوروبية، في ظل دولها الليبرالية الحداثية، انتشرت مبشريها في جميع المستعمرات وجبرت سكان أفريقيا وأمريكا وآسيا، على ظهور المسيحية التالية والبروتستانية!!

بينما نحن في مجتمعاتنا العربية الممسوحة، فان أهل الدين وأهل الحداثة، يعيشان في كوكبين مختلفين، بل متحاربين. فالمدينين كانوا عقلانيين، فانه لا يعيش الحاضر، بل تأصله ومصادره محصورة في العصر الاسلامي وبالذات الحقة الاولى. وهو رغماً عنه يعتبره إن كل التاريخ الحضاري العظيم السابق في الدول العربية مرفوضاً وثنيا كافراً. أماه أهل الحداثة فهم لا ينتمون إلى واقعنا وميراثنا لأننا نعيش في كوكب آخر اسم (اوربا وامريكا). فالحداثي ضيوفه كان وطنياً وقومياً ويسارياً أو ليبرالياً، رغماً عنه مصدره وملهمه وحلمه نابع من الحداثة والتجربة الاوربية. وحتى عندما يحاول أن يجبر نفسه على القرب من التراث الإسلامي، فانه يلجأ بحذر ودبلوماسية وانتقائية يسارية أو ليبرالية، بطبيعة الحال بالمستشرقين الأوروبيين!

الثانية ـ إن التجربة التسجيلية والامريكية، ونتيجة لذلك خلال القرنون الأخير من خلق شعبي وسطي الثالث بين التيار الحداثي الحادي المتطرف والتي ترجع إلى النصراني الكنسي. وهذا التيار الثالث موزع الى عدة تأثيرات اخرى والقائد، لا اتحادية ولا ملحدة:

    ــ باتجاه شعبي يمكن تسميته بـ (التيار اللاعلميAgnostiue  ). فمثلاً، لو طرحت هذا السؤال على الناس الشعبيين في الغرب: هل أنت متدين أم ملحد؟ فان نصفهم على الأقل سوف يكون جوابه التالي: (لا.. أنا يموت عن الجواب..).. لهذا تراه من الطبيعي، إنه يقبل الحوار معك إذا كنت متديناً أو ملحداً، لأنه ماني قادر على اختيار..

       ــ باتجاه روحاني البديل New age -Alternative ، تزايدت بقوة منذ المنافسات الستينات تعتمد على القائد الروحانية والآلية الأخرى. وفلسفته البدائلية تشمل مختلف جوانب الحياة، الروحية والطبية والتربوية، بالإضافة إلى الرافض للطرف الصناعي والسلاحي المدمر للطبيعة والانسان.

أما نحن، فان نخبنا الدينية والحداثية، معاً شاركنا حبيسة تحجرها وكسلها المرعب. فليس من السهل من استنساخ ثقافة السلف الصالح بالنسبة للديني، أو استنساخ طروحات الاويان ويربية فقط، ليبرالية سارية، بالنسبة للحداثي.

أطع دليل آخر على عدم وجود ثقافة مختلفة عن الثقافة السلفية (سنية شيعية) تحضر الحداثية الغربية (يسارية وليبرالية)، غياب أي اهتمام في تقديم القائد الديني القديم والجديد والمتنوع في العالم. وكذلك غياب البدلة الثقافية الشعبية التي لها في الغرب نخبها الكبرى وما لا يحصى من فلسطين التي تجدها في جميع المكتبات. فنحن لسنا متخلفين عن اوربا فقط بالثقافة الحداثية، بل نحن متخلفون عنها خصوصا بالثقافة البدائلية الروحانية والمتنوعة والشاملة، إضافة إلى جوانب الحياة المعيشية والفلسفية والطبية.

النتيجة إن تفسير العربي المسكين ليس أمامه خيارين، أسود أو أبيض:

أما أن يكون سلفياً صالحاً، أو حديثياً طالحاً!!!! وأين يقف ثالث متردد أو متسائل أو باحث، فانه مرفوض من قبل الأطراف!! وهذا سر اتفاقهم انحطاط مجتمعاتنا بسبب إنفصام الشخصية ومس الهويةاخ وسيادة مشاعر الحق والعنف.

بينما العربي والامريكي، أمامه خيار ثالث فيه جميع الالوان والأذواق والاتجاهات. وبالتالي، فان المجتمع الغربي لا يعاني مثل مجتمعاتنا، من التمزق والاحتراب الوحشي بين أهل الدين وأهل الحداثة. لأن المستثمرين الثالث يشكلون جسراً حوارياً بين أهل الدين وأهل الحداثة.

ــــــــــــــــ

مهم جدا: هذا الموضوع جزء من اعتراف ـ الخاتمة، الذي اضفناه الى الطبعة الثانية 2015 من كتابنا(المنظمات السرية التي تتحكم في العالم). ومن ان يمكن معرفة هذا الدليل وتوصله إلى الصور المهمة:

http://www.salim.mesopot.com/images/stories/PDF/%20%20%20%20%20-%20%20os-4.pdf



العودة لأعلى