ــ مسؤولية المثقف عن العنف السائد في العراق وفي العالم العربي!

سليم مطر / جنيف

من الخطأ الفاضح ان حالة العنف يمكن ان تسود المجتمع، هكذا فجأة وبتأثير حفنة من المغامرين والقتلة. ان حالة العنف لم تسود الا موجود طوال سنوات طويلة لمشاعر الم والحزن وقد في نفوس ولذلك ابناء المجتمع، نتيجة لذلك المعاني الحياتية الامتدادية بالفقر والقمع والاذلال والخيبة والنكسات الشخصية والوطنية.
لكن هذه المشاعر السلبية الضارة المتراكمة لا تكفي فقط لانفجار العنف التنوعه، بعد الضغينة التي ترى هو المسبب لكل هذه المعانات المتراكمة، والذي قد يكون الحاكمة او الطائفة منافسة او حزب الخصم او حتى الدولة الفلانية التجارة او البعيدة..
العنف قبل ان يقوم بالسلاح يقوم اولا بالقناعة وبالفكر، أي بالثقافة. يخطئ من يعتقد ان الحرب، أي حرب، كانت ام حزبية او طائفية، تقوم بتأثير حفنة من الناشطين والمحاربين المتطرفين. بل هي تقوم اولا، وتتغذي وتبرر ديمومتها، بواسطة شبكة واسعة ومعقدة من الاطمئنان والمواقف الثقافية والنفسية التي نعمة للمحاربين زخما للتضحية بالنفس وللحقد على الخصوم وتبريرهم. وهذه الشبكة الثقافية المعروفة، لا يمكن ابتكارها لطفل او منظمة او جهاز، فقط لانها، خلال فترة زمنية قصيرة، بل تشترك في صنع هذه القناعات والمواقف جهات ثقافية وسياسية ودينية متعددة ومختلفة ولكن لا يمكن اختراع اي منها بل ربما هي مختلفة ومت المصارعة، ومع ذلك خلال فترة طويلة شكرات من دون قصد وبأشكال مختلفة ببث وسبب هذه القناعات والمواقف اللتي تشجع حقد على الذات وعلى الاخر وتبرر التضحية بالنفس باسم الاستشهاد، والانتقام من البعض الآخر بسببه.

العنف الاوربي
لو اخذنا كمثال، حالة معروفة، هي الحرب العالمية الثانية اواسط القرن الماضي، لوجدنا ان هذه الحرب ما اندلعت الا كتعبير عملي عن ثقافة العنف التي كانت ساائدة حينذاك، ومن اجل تفريغ شحنات الحق والعداء للآخر الذي قام به نفوس الاوربيين، خلال سنوات طويلة من المظالم الوطنية والتطبيقية. ان من يراجع النتاجات الثقافية للاحتفالات في اوربا قبل اندلاع الحرب، وبكل وضوح طغيان النصوص والخطبات التي تشهد للعنف وتبرر التضحية والتضحيات الأخرى. وهي دعوات مختلفة من الأسس الآيدلوجية، فوجود اليسار الذي ظل يدعو الى الثورة العمالية الساحقة التي(ستقضي وتدمر وتمحق!) الثورية الرأسمالية. وقد جاءت اليهودية القومية المتطرفة(مثل النازية والفاشية) التي كانت تساهم الى النقاء العرقي و(القضاء البسيط!) على كل العنصر والجماعات (الخائنة!) التي ترفض هذا النقاء وتقبل بتلوث الدم الآري النقي! بل حتى أمريكا الديمقراطية الجوازية بكل ما تمتلك من سطوة اعلامية وثقافية، ولم تكن تكف عن شحن الناس بالعداء والرعب المرضي من اليسار والحركة العمالية لصالح روسيا الاشتراكية. كل هذه السياسات السياسية لم تعتمد فقط على اجهزتها الحزبية، بل كان يأتيها آلاف المؤلفين من المثقفين والصحفيين من أجزاء واصدقاء ومتعاطفين، وكلهم كانوا بصراحة عن مواقفهم العنفية والتعصبية والعدوانية بصورة مباشرة وغير مباشرة، حتى من خلال النصوص الادبية واللوحات الفنية والدراسات العلمية. يكفينا ان كمثال بسيط، الرواية الشهرية (العقبة الحديدية) للكاتب الامريكي جاك لندن، والتي ولترت وقامت الثورة العمالية العنيفة المكبرات. بالاضافة الى تلك الكتب والبحوث العديدة التي ادعت العلمية السكايه وكونت ذلك العلم الشهير فايرفاري المسمى( اثنولوجيا ـ علم الاعراق) والذي من خلاله تم الحديث عن (اعراق غبية) و(اعراق ذكي) عليها ان تحافظ على نقائها العرقي.
ولهذا التذكير ان ثقافة العنف والعنف، وحدها لا تكفي لاندلاع حالة العنف، بل هي لا تنمو وتؤثر لولا الا وجود حقيقي حي يدعمها، قائم على أساس الظلم الوطني و. ان (ثقافة) وطاقة العنف والحقد هذه، بالفعل مسميتها وأسبابها، وظائف تتراكم في نفوس وقول الاوربيين ونخبهم المؤثرة، مع ديمومة الظلم المناخي في الواقع الاجتماعي والوطني، حتى تفجر اخيرا على شكل حرب اوربية(عالمية)..

الثقافة العنفية في منطقتنا
أما بالنسبة للحالة الثقافية العراقية، فانها كما هو معروف متأثرة وكثيرة بالثقافة احتجاجات في العالم العربي وبالذات في اقتصاد الشام وعموم شرق الاوسط. في نهاية الستينات واعوام السبعينات سادت الشعوب المنطقة تفكر بالثورة الثورية وهيمنت الشعارات العنيفة التي تبر الحقد والدمفاوي، ضد العدو الشعبوي(الاقطاع والبر جوازية وعموم الفئات الرجعية!)، وضد المعاناة القومية الممتدة بالامبريالية والصهيونية. وقد سادت لغة الثقافة والصحافة والشارع العامات العنيفة : (( جاءت السلطة عبر البندقية.. حرب التحرير الشعبية..العصيان نادى.. تحرير المدينة عبر الريف.. تفجير الثورة الشاملة..)). أمام هذه الشعارات مقدسة وأي تشكيك بها تؤدي إلى تهمهم الشهيرة للشهرة والخيانة والميول الاصلاحية والجوازية الصغيرة والتهادن مع إسرائيلة والامبريالية، ومنها جرا.. والثورات الفرنسية والروسية، والكوبية والفيتنامية، هو المثال المقدس الذي يجب على كل شعوب منطقة الاهتداء به. ودعا النضال ضد اسرائيل المرتبطة بالعمليات المسلحة. ووريف ان ياباني قد تبنى مفردات استشهادية ذات معاني دينية مثل التسجيل(الفدائي!). وكان الفدائيين فارسيين(وليس الاسلاميين!!) الرائد والعراقيين هم اول من عملوا عمالات انتحارية في اسرائيل، اوائل السبعينات، ومن اشهرها (عملية الخالصة) التي انتحر فيها عدة عراقيين من الاعضاء الشعبي/ جورج حبش! 
وفي هذه الاثناء اندلعت الحرب الللبنانية، لتصبح بيروت معقل كل الثوريين وداعا من انحاء العالم، والالمين أصبحت الدم الذي ستغسل عن المنطقة والعالم اجمع اقفال الظلم آشبى والوطني! كالعادة خلقت هذه المنظمات العنيفة نخبها المتنوعة التي تستفيد وتعتاش على(ثقافة الموت) هذه. الكل كان يقبض من الكل. إليك الدول راحت تدفع، اطفالا او محبة، لكي تستفيد من الكعكة الثورية المسلحة. من السعودية الوهابية الى صدام البعثي الى اليمن الماركسي الى القذافي الناصري ومعهم الضالون وفرنسا وامريكا.. كلهم ​​راحوا يدفعون ليجيروا ثقافة العنف والعاطفيين بسببهم. كما، مثل كل الحرب، كالعادة تم إنشاء معسكرين متقابلين: معسكر(القوى الوطنية التقدمية العالمية) يدعم من اليسار، ومعسكر(القوى اليمينية) المدعومة من الغرب. وكل واحد من الطرفين بسهولة يصور نفسه هو الصحفي عن الحقيقة المطلقة، حيث هو الشيطان الرجيم الذي لا حوار معه الا بالسلاح! وطبعة كل معسكر له كتابهفييه وشعراءه ومغنيه، الذين يلعبون الدور الأول من اجل حشد الجموع المسكينة من الشبيبة الحائرة الطائشة المؤمنة حطبا في هذه الحرب الدائرة!
ان عقلية العنف هذه للعامة بالكامل، عندما تم تبرير قتل الكثير من الشخصيات الفلسطينية بتهمة بالصلاحية و(التهادن مع المعاناة!). وكلنا بما في ذلك عمليات الاغتيال الشهيرة، عوام السبعينات والثمانينات، التي قامت بتنظيمات التحالف الفلسطيني الثوري ضد العديد من المثقفين والسياسيين والمدعوين للحوار.
لا احد ينكر ان هذه الثقافة الثورية، لم تكن من فعل حفنة قياديين متطرفين، بل اشترك في صنعها المئات بل الآلاف من المثقفين العرب القوميين واليساريين، من صحفيين طيبين وكتاب حساسين وفنانيين مرهفين  وشعراء رقيقيين، كلهم وبحسن نية وطيبة خاطر كانوا بصورة غير مقصودة يساهمون بتشجيع القتلة والمتطرفين من خلال نشر وتبرير هذه الثقافة العنفية، اللتي احتجنا الى سنين عديدة لنكتشف انها كانت شعاراتية سطحية ومدمرة، بل ان الكثير من فصولها وعملياتها كانت مدفوعة بصورة غير مباشرة من قبل الموساد الاسرائيلي لتدمير لبنان وايقاف نموه الاقتصادي والثقافي المنافس لها، وللتخلص من الشخصيات الفلسلطينية الفاعلة وخلق الفتنة الداخلية.
والطريف، ان(انتفاضة اطفال الحجارة) عندما اندلعت في فلسطين اواخر الثمانينات ، كانت مفاجأة مرعبة لمدراء ومخضرمي الثورة المسلحة هؤلاء. كيف حصل، ان امهات واطفال عزل، بلا تنظيمات ثورية محترفة ولا ملايين الدولارات المتدفقة من كل حدب وصوب، يتمكنوا هكذا بواسطة الصرخات الصادقة والحجارة ان يواجهوا اشرس  دولة مسلحة في العالم!!؟؟ لهذا انصب كفاح هذه المنظمات الثورية العريقة على احتواء هذه الثورة السلمية الشعبية، وراحوا يتغلغلون فيها ويشتروا قادتها ويزيحوا من يعترض منهم، حتى سيطروا عليها واستثمروها تجاريا وسياسيا لكي يخلقوا منها تلك (الشركة المحدودة) المسماة(السلطة الوطنية الفلسطينية)!!
والغريب، ان غالبية هولاء المثقفين اليساريين، بعد ان (كبروا وعقلوا وشبعوا)، راحوا يدينون العنف الاسلاموي الحالي الذي يأكل الاخضر واليابس بأسم الدين والجهاد المقدس. لكن ضميرهم السلمي الجديد، لم يدفعهم الى ادانة ثقافة العنف الثوري اللتي كانوا يدعون اليها سابقا. علما بأن ثقافة العنف الاسلاموي هذه تتغذى بصورة واعية وغير واعية من ثقافة العنف الثوري اليسارية السابقة. نعم ان جوهر ثقافة العنف يبقى واحدا، مهما اختلفت المبررات: تبرير قتل النفس بأسم الشهادة، وقتل الآخر بأسم التخلص من اعداء الطبقة والوطن والدين!

ثقافة العنف في العراق
من الطبيعي ان تتأثر الثقافة العراقية بثقافة العنف اليسارية التي كانت سائدة في المنطقة. بل ان المثقفين العراقيين شاركوا بصورة فعالة في رفد هذه الثقافة العنفية. خلال اعوام الخمسينات والستينات، كان الغالبية الساحقة من المثقفين العراقيين مرتبطين بصورة مباشرة او غير مباشرة بالحزب الشيوعي العراقي. وكلهم صفقوا او على الاقل صمتوا عن الانقلاب العنفي العسكري الذي سمي ب(ثورة تموز) عام 1958 والجريمة الشنعاء التي ارتكبت بأسم الثورة بقتل وقطع وحرق والتمثيل الهمجي بالعائلة المالكة. وكذلك المواجهات العنفية العسكرية والشعبية التي اعقبت الثورة في الموصل وكركوك وبغداد، والذي توج بانقلاب شباط القومي البعثي الدموي.
في نهاية اعوام الستينات حصل ذلك الانشقاق الشهير في الحزب الشيوعي، بين دعاة الكفاح السلمي(اللجنة المركزية) ودعاة الكفاح المسلح(القيادة المركزية). والغريب ان الحزب الشيوعي(الخط السوفيتي) رغم انه كان يرفض العنف المسلح في كفاحه السياسي، الا انه كان يقبل ويبرر بل ويشجع العنف المسلح الذي ظلت تمارسه الميليشيات القومية الكردية(البيشمركة). رغم ما يعنيه هذا العنف من توريط لا انساني وعذاب لا ينتهي لاكراد العراق، بالاضافة الى تخريب واضعاف للدولة العراقية ولوحدة العراقيين.
اما نظام البعث الحاكم منذ عام 1968 حتى عام 2003  فاننا كلنا نعرف بالمغامرات الحربية الطائشة التي ورط فيها العراقيين، منذ حرب ايران الى حرب الكويت الى الحصار الى الحرب الاخيرة التي انتهت بالاجتياح الامريكي وسقوط النظام. وكانت هذه السياسة العنفية الطائشة لصدام حسين قائمة ومستمرة على اساس ثقافي آيدلوجي (يدعي القومية ومعادات الامبريالية)، ومدعوم بتيار ثقافي في العراق والعالم العربي يضم عددا كبير من المثقفين العراقيين والعرب، سواء منهم المقتنعين فعلا او المنتفعين.
ومن جانب آخر، على صعيد الثقافة المعارضة للنظام، في اعوام الثمانينات تبنى الحزب الشيوعي نهج العنف المسلح وورط المئات من رفاقه في معسكرات مسلحة في جبال شمال الوطن، لكي يتم القضاء عليهم، ليس من قبل قوات السلطة، بل من قبل الميليشيات القومية الكردية نفسها!؟
وفي اعوام التسعينات تبنت جميع اطراف المعارضة العراقية، يسارية وليبرالية واسلامية، المقيمة في لندن وسوريا وايران، ثقافة العنف المسلح من اجل اسقاط نظام صدام. وبعضها مارس فعليا نهج الكفاح المسلح، سواء داخل المدن او في اهوار الجنوب. فكانت الميليشيات الاسلامية تقوم بكل سذاجة وبطولة زائفة بهجمات ضد الجيش العراقي، ثم تهرب الى ايران، لكي يعود الجيش وينتقم بصورة لا انسانية من سكان الاهوار المساكين العزل. وكانت المحصلة النهائية لهذه العمليات المسلحة(البطولية الجبارة)، تهجير آلاف العوائل من سكان الاهوار الى ايران، وتجفيفها بمساحة تفوق مساحة سويسرا او هولندا!!!؟؟ وراح هؤلاء القادة المستكرشين في ايران يتباكون على جريمة صدام، دون ان يمتلكوا الشجاعة والضمير الديني والاخلاقي لذكر دورهم الخياني والانهزامي والتجاري في هذه الجريمة!
ولم يتجرأ أي مثقف عراقي معارض، ان يبادر بكلمة واحدة بادانة هذه السياسة العنفية الخرقاء. لأن اية ادانة تعني تهمة الخيانة والعمالة لسطلة البعث! ونحن شخصيا عندما كتبنا في اواخر التسعينات، ندين السياسة العنفية وندعوا الى الكفاح الشعبي السلمي(راجع كتابنا الذات الجريحة)، تعرضنا لحملة شعواء من قبل غالبية المعارضة العراقية ومثقفيها، تتهمنا بالعمالة لسلطة البعث!

ثقافة العنف الحالي
ان ثقافة العنف التي كانت تحملها المعارضة العراقية، هي التي بررت التحالف مع الامريكان وشن الحرب واجتياح العراق واسقاط النظام. ان قادة المعارضة العراقية بعقليتهم الساذجة التبسيطية وحياتهم الشخصية القائمة على اساس الغيرة والمنافسة والتبعية للقوة الاقليمية والعالمية، وتبنيهم للثقافة الطائفية والقومية المتناقضة تماما مع مفهوم الوحدة الوطنية، سهلت كثيرا القبول بالتبعية التامة للمشروع الامريكي. والمشكلة ان عقلية العنف والانتقام لم تنتهي بعد اسقاط النظام، بل ظلت هي المهيمنة والمحركة للسياسة الجديدة، من خلال تبني المبدأ التدميري الطائش المسمى (اجتثاث البعث). بأسم هذا المبدأ تم تدمير الدولة العراقية وحل الجيش والشرطة، وشن حملة شعواء لمطاردة وصيد وقتل العناصر البعثية والعسكرية في كل انحاء العراق. ان هذه السياسة الرعناء هي التي بررت ودعمت ردود الفعل العنفية والمسلحة من قبل المعارضين للنظام الجديد وانبثاق ما سمي بحركات المقاومة والقوى الظلامية السلفية وجماعة القاعدة، حتى بلغ العراق الحضيض الحالي وسقوطه في مستنقع العنف الجنوني المتجاوز للخيال والذي لم يحصل مثيله في التاريخ. 
لو تمعنا جيدا في الحالة العراقية الحالية، فأننا سنكتشف بأن جميع الاطراف الحكومية والاحزاب الفاعلة والميليشات والمقاومة المسلحة والمنظمات الارهابية، كلها تتفق على تقديس مبدأ واحد وحيد اسمه(تبرير العنف ضد الآخر)..
لو سألت قوات الحكومة والجماعات الشيعية، فأنهم سيقولون لك: ( يا اخي احنا ضد العنف.. احنا في حالة دفاع عن النفس ضد الارهابيين التكفيريين اللي يفجرون احيائنا ويبيدون اهلنا))..
وعندما تسأل جماعات المقاومة البعثية والتكفيرية، فأنهم سوف يقولون لك: (( يا اخي احنا ضد العنف .. احنا في حالة في دفاعة عن النفس ضد الامريكيين وعملائهم من قوات الحكومة اللي يقصفون احيائنا ويغالتون ابنائنا..))!!
اما المنظمات السلفية الارهابية، فلها حجتها العالمية التي تطبق في كل زمان ومكان: (( نحن في حالة دفاع عن ديننا الحنيف وجهاد ضد الكفرة والمنحرفين عن السلف الصالح..))!!
دائما يمتلك دعاة العنف والمقاومة المسلحة نفس الحجة التالية:
ـ يا اخي، اذا قام ( الطرف الفلاني) بقتل احد اخوتك او ابناءك، فماذا تتوقع من الانسان، ان يقدم باقة ورود الى هؤلاء القتلة؟!
وينسى اصحاب هذه الموقف، ان حجتهم يمكن تطبيقها ايضا على خصومهم وعلى جميع الحالات التي تبرر العنف، وهذا هو ما هو حاصل في بلادنا:
كل طرف يبرر قتل الطرف الآخر بحجة الدفاع عن النفس أو الوطن أو الطائفة والدين .. الخ..
وكل واحد، عندما تسأله عن تبرير العنف، يجيبك:
ـ يا اخي، اذا قام الجيش الامريكي، او العراقي، او الشيعي، او السني، او الكردي، بقتل احد اخوتك او ابناءك، فماذا تتوقع من الانسان، ان يقدم باقة ورود الى هؤلاء الجنود، الامريكيين، او العراقيين، او السنة، او الشيعة، او الاكراد؟!

جوابنا الوحيد لمثل هذا السؤال الإنساني المشروع:
نعم، نحن نتفهم تماما ردود فعل أي إنسان يعاني من الظلم والقمع ان يفقد أعصابه ويدافع عن نفسه وينتقم من عدوه.. نؤكد نعم نتفهم هذا، بل حتى اكثرالشرائع الوضوح والديمقراطية في العالم، نأخذ بعين الاعتبار ردود الأفعال البشرية ونتحكم بصورة مخففة على الاختراق.
لكن ردود الفعل العنصرية المشروعة هذه، تختلف ولكن لها اية علاقة بثقافة العنف التي تهيئ وتبرر وخطط وتقنع وتشجع وتثقف الناس ليل نهار على حق الحق على الآخر وممارسة العنف ضده، واعتبار الإنسان الذي لا يؤكده جبانا وخائنا للاهل وللطائفة والقومية وللوطن!
انا ابدعت نحن ضد ردود الفعل العنصرية الفردية، الواضحة نتحدث في كل مكان وزمان، ويمكن فهمها وحتى مبررها. بل نحن ضد ثقافة العنف التي تسبب القتل والتفجير والرهاب والانتقام والاغتيال، الطريق الاكبر وربما الاوحد لتحقيق الهدف.
نعم ان ثقافة العنف هي المسؤولة الاول عن العنف، الواضح هي التي تتمسك بيد كيم ودفعه للجريمة، من خلال امساكها بعقله وضميره..
وهذا ما نلتزم به، ما مدى مسؤولية المثقفين في العراق والعالم العربي، من اجل ضرورة ثقافة جديدة قائمة بصدق وعمق على السلام والتسامح والمحبة ورفض العنف كانت مسبباته وأسبابه. لكن بالنسبة لمسألة الكفاح من اجل الحقوق المشروعة، وجبات او اجتماعية، فان الكفاح الشعبي السلمي والثقافي، السري والعلني، هو الكفاح انساني وحيد قادر على انقاذنا من هذا المظلم المظلم الدامي الذي غرقت فيه شعوبنا.



العودة لأعلى